كتب - كتب أجنبية

طباعة
عرض: صباح عبدالصبور - باحثة في العلوم السياسية
 
Michael C. Horowitz,Allan C. Stam and Cali M. Ellis,Why Leaders fight,(New York: Cambridge university press, 2015)
 
لم تهتم أدبيات العلاقات الدولية كثيرا بدور القادة في التأثير في السياسة الدولية،‮ ‬رغم دورهم الكبير والمؤثر في تشكيل مصائر الشعوب والأحداث السياسية بدرجات متفاوتة‮. ‬وهو الأمر الذي يضفي أهمية على هذا الكتاب الذي ألفه نخبة من باحثي العلاقات الدولية لكونه يعيد‮ "‬القادة السياسيين‮" ‬لبؤرة اهتمام حقل العلاقات الدولية‮.‬
 
يدور الكتاب حول سؤال بحثي رئيسي مفاده‮: ‬لماذا يحارب القادة؟ فيتناول تأثير القادة السياسيين في الأحداث الجيوسياسية والتاريخ بشكل عام، وكيف تتشكل معتقدات القادة، وما هي رؤيتهم للعالم، وما هي رؤيتهم للحروب، وكيف تؤثر خبراتهم الحياتية في قراراتهم حول الصراع العالمي‮. ‬ويتمثل الإسهام الأكبر لهذا الكتاب في احتوائه على معلومات ضخمة، وسير ذاتية لما يزيد على‮ ‬2400‮ ‬قائد حكموا العالم في الفترة من‮ ‬1875‮ ‬إلى‮ ‬2001،‮ ‬حيث يحوي قاعدة بيانات ضخمة عنهم‮. ‬ويحاول المؤلفون في كتابهم هذا سد الفجوة بين الأكاديميين المهتمين بالسياسة الدولية، والمواطنين الذين يستشعرون أهمية وجود قائد سياسي في حياتهم اليومية،‮ ‬عن طريق اقتراح نظرية جديدة تدور حول كيفية اتخاذ القادة لقرارات الحرب والسلام‮.‬
 
القائد السياسي وقرارات الحرب والسلام‮:‬
 
يؤكد المؤلفون أن القادة السياسيين يلعبون دورا مؤثرا في السياسات الوطنية والعالمية على حد سواء،‮ ‬لأن القائد السياسي هو المسئول الأول عن قرارات الحرب والسلام، والمسئول عن تقييم السياسة الوطنية،‮ ‬وذلك عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجية الكبري للبلاد، وهو المسئول‮ -‬أيضا‮- ‬عن كيفية التعامل مع بلدان بعينها‮. ‬كما يتخذ القادة القرارات الحاسمة حول مواصلة تطوير التقنيات العسكرية، والبرامج النووية أو إنهائها‮.‬
 
وفي هذا الشأن، أشار المؤلفون لقادة سياسيين لعبوا أدوارا رئيسية في قرار خوض بلادهم حربا عسكرية‮. ‬فعلى سبيل المثال،‮ ‬كان الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو الابن هو المحرك الأساسي للحرب الأمريكية على العراق في عام‮ ‬‭.‬2003‮ ‬فرغم أن قرار الحرب الأمريكية على أفغانستان في عام‮ ‬2001‮ ‬كان سيتخذه أي قائد يحكم الولايات المتحدة،‮ ‬بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية، فإن الأمر يختلف في حالة الحرب على العراق، حيث كان بوش الابن هو المحفز الأساسي لقيام الحرب‮. ‬وفي المقابل،‮ ‬يري المؤلفون أنه في حال فوز المرشح الديمقراطي‮ "‬آل جور‮" ‬في الانتخابات الرئاسية لعام‮ ‬2000،‮ ‬فإنه كان سيرجح الأداة الدبلوماسية،‮ ‬وتشديد العقوبات الاقتصادية على الرئيس العراقي السابق صدام حسين‮. ‬ويشيرون إلى أن التفضيلات الشخصية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعبت الدور الأكبر في تحفيز العدوان الروسي على أوكرانيا، وغزو شبه جزيرة القرم‮.‬
 
وأشار الكتاب إلى أن القادة‮ (‬السلطويين والديمقراطيين‮) ‬يواجهون أنواعا مختلفة من البيروقراطية والقيود التي تحد من إرادتهم، مثل قيود المؤسسات المحلية والعالمية‮.‬ فعلى سبيل المثال،‮ ‬واجه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في الأربعينيات قيودا كبيرة على سعيه لتنفيذ سياسته الجديدة لزيادة حجم الجيش‮.‬ لكن تلك القيود على القائد السلطوي تكون أقل بكثير من القائد الديمقراطي،‮ ‬حيث يكون القائد أكثر مرونة في اتخاذ القرارات السياسية،‮ ‬وأكثر ميلا للمناورات، والدخول في صراعات، مثل جوزيف ستالين الذي جعل بلاده أكثر عرضة للدخول في حروب‮.‬
 
الأسباب التي تدفع القادة للحروب‮:‬
 
ذكر المؤلفون عددا من المتغيرات التي تفسر سلوك القادة وتورطهم في الصراعات والحروب، فوضعوا أكثر من‮ ‬30‮ ‬مؤشرا تشمل الصفات الشخصية، ومن أهم هذه المؤشرات ما يأتي‮:‬
 

حرب-القادة---داخلي-داخلي
أولا‮- ‬الخدمة العسكرية والخبرة القتالية‮: ‬يعد القادة ذوو الخلفية العسكرية،‮ ‬ولكن لا يملكون خبرة قتالية في الحروب،‮ ‬أكثر احتمالية لبدء وتصعيد الصراعات من القادة الذين لديهم خلفية عسكرية وخبرة سابقة في الحروب،‮ ‬لأن النوع الأول من القادة لم يواجهوا خطر الموت، مما يجعلهم أكثر حماسية‮. ‬فمثلا،‮ ‬الخدمة العسكرية والخلفية القتالية للرئيس الفرنسي الأسبق،‮ ‬جاك شيراك،‮ ‬في الجزائر جعلته أكثر وعيا من المخاطرة والمشاركة في الحرب الأمريكية على العراق في عام‮ ‬2003،‮ ‬بينما الخلفية العسكرية لبوش الابن،‮ ‬وخدمته في الحرس الوطني في تكساس، وعدم خوضه حروبا قتالية قد أثرت على رد فعله تجاه أحداث‮ ‬11‮ ‬سبتمبر‮. ‬ولكن هناك استثناءات لتلك الفرضية،‮ ‬مثل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي خدم في البحرية الأمريكية،‮ ‬سلاح الغواصات النووية، إلا أنه كان أقل رؤساء الولايات المتحدة لجوءا للعدوانية من وجهة نظر المؤلفين‮.‬
 
ثانيا‮- ‬الخبرات السابقة في الحركات الثورية‮: ‬تعد خبره القادة في الحركات الثورية من الأسباب المحفزة التي تجعلهم أكثر إيمانا بضرورة الحصول على الأسلحة النووية لحماية دولهم من الغزو،‮ ‬وهو ما يفسر تصرفات الرئيس العراقي صدام حسين،‮ ‬والرئيس الكوبي فيدل كاسترو للحصول على أسلحة نووية، وكذلك الصين تحت حكم ماو تونج،‮ ‬كمثال واضح على الربط بين وصول الزعيم الثوري للحكم والانتشار النووي، حيث كان من أهم أولويات ماو تجنب الإهانة،‮ ‬والغزو الخارجي للصين مرة أخري‮.‬
 
ثالثا‮- ‬الاشتراك في انقلابات عسكرية، أو حركات تمردية، ثم الوصول للسلطة‮: ‬وهو ما يعزز من استخدام القادة للعنف، ولذا من المرجح أن يبدءوا صراعات عسكرية،‮ ‬بعد وصولهم للحكم مباشرة‮.‬
 
رابعا‮- ‬معايشة أحداث مريرة ومؤلمة في الطفولة أو المشاركة فيها‮: ‬يشكل هذا المؤشر شخصيات وتوجهات القادة تجاه المخاطر أو الفرص‮.‬ فالبعض يحاول تجنبها فيما بعد، بينما الذين شاركوا فيها،‮ ‬ونجحوا،‮ ‬وبقوا على قيد الحياة،‮ ‬من المحتمل أن يكونوا أكثر عنفا،‮ ‬وأن يصلوا لنتيجة،‮ ‬مفادها أن العنف يحل المعضلات السياسية،‮ ‬على عكس من هم في الجانب الخاسر الذين يؤمنون بالاتجاه المعاكس‮.‬
 
خامسا‮- ‬العمر والنوع وتجارب الطفولة‮: ‬توصل المؤلفون في هذا الكتاب إلى أن النوع ليس مؤثرا بشكل كبير في الدخول في الحروب‮.‬ لكن فيما يخص العمر،‮ ‬فإن القادة الشباب أقل احتمالية للدخول في صراعات عن القادة كبار السن،‮ ‬لأنهم‮ -‬وفقا للمؤلفين‮- ‬يخشون أن يكون لديهم وقت أقل لترك بصماتهم‮. ‬كما أن هناك علاقة طردية بين العيش في طفولة مضطربة، وانخراط القادة فيما بعد في سلوك عدواني‮.‬
 
وقد رصد المؤلفون أسبابا أخري حاسمة في تحديد سلوك القادة السياسيين،‮ ‬مثل الثروة،‮ ‬والتعليم‮. ‬لذا،‮ ‬فإن فهم تلك المؤشرات السابقة يعد مدخلا مهما لفهم سلوك القادة‮. ‬وهو ما يفسر تركيز الإعلام على خلفية المرشحين للانتخابات الرئاسية الأمريكية،‮ ‬وذلك لفهم تصرفاتهم عند وصولهم للحكم، مثل خبرة المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الاقتصاد ومجال الأعمال، وتاريخ المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الكونجرس،‮ ‬وكوزيرة خارجية،‮ ‬وكذلك تجربه طفولة أوباما،‮ ‬وانفصال أبويه‮.‬
 
في الختام، توصل المؤلفون إلى أن فهم كيفية اتخاذ القادة لقرارات الدخول في حرب يعد أداة مفيدة للمواطنين والأكاديميين‮. ‬كما أن معرفة خلفيات القادة في الماضي تساعد على فهم سلوكيات وقرارات القادة في المستقبل، وأيهم أكثر عرضة للانخراط في سلوك عدواني، وكيف سيتصرف القادة عند وصولهم للحكم، خاصة فيما يتعلق بقرارات الحرب والسلام‮.‬
طباعة