من المجلة - ملحق إتجاهات نظرية

حالة‮ "‬خاصة‮":|كيف تدير قطر تفاعلاتها الإقليمية ؟

طباعة

أحدثت سلسلة الثورات الشعبية،‮ ‬المعروفة باسم‮ "‬الربيع العربي‮"‬،‮ ‬الكثير من التغيرات في ديناميكيات القوة والنفوذ في الشرق الأوسط،‮ ‬ولم يقتصر التغيير‮  ‬الذي أحدثته هذه الثورات على داخل الدول العربية فقط‮. ‬ففي الوقت الذي تحاول فيه دول،‮ ‬مثل مصر واليمن،‮ ‬بناء مؤسسات دولة جديدة،‮ ‬وتحاول دول عربية أخري الإصلاح من نفسها للاستجابة للتوقعات المتزايدة لشعوبها،‮ ‬فقد امتد تأثير تلك الثورات‮  ‬إلى البيئة الاستراتيجية،‮ ‬حيث حدثت تحولات واضحة في الفاعلين الذين يمتلكون القوة في المنطقة،‮ ‬وفي الكيفية التي يمارسون من خلالها قوتهم،‮ ‬وفي أدوات تلك القوة،‮ ‬وذلك وسط بدء تآكل قدرة القوى العظمي الدولية على التأثير في مسار التطورات في المنطقة‮.‬

فمن ناحية،‮ ‬أثرت الثورة التي وقعت في مصر العام الماضي،‮ ‬والأزمة الحالية في سوريا،‮ ‬في قدرة هاتين الدولتين المؤثرتين على تأكيد قيادتهما للمنطقة العربية‮. ‬ومن ناحية ثانية،‮ ‬أدي صعود الأحزاب الإسلامية الشعبية في مصر وليبيا وتونس ودول أخري،‮ ‬إلى تعقد علاقة هذه الدول بالقضايا الإقليمية‮ "‬الحساسة‮"‬،‮ ‬مثل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني،‮ ‬والنزاع بشأن دور إيران في العالم العربي‮.‬

ومن ناحية ثالثة،‮ ‬كان للربيع العربي تأثير واضح على دور المؤسسات الإقليمية،‮ ‬كالجامعة العربية،‮ ‬ومجلس التعاون الخليجي‮. ‬فرغم أن الجامعة العربية كان ينظر إليها‮- ‬حتي وقت قريب‮ -‬على أنها كيان‮ ‬غير مؤثر يجمع الشخصيات الديكتاتورية،‮ ‬فإن التغيير السياسي في العديد من الدول العربية،‮ ‬وروح العصر الثورية،‮ ‬أجبرا الجامعة على اتخاذ موقف أكثر فاعلية تجاه الأزمات التي نشأت في دول المنطقة،‮ ‬مثل ليبيا،‮ ‬واليمن،‮ ‬والآن في سوريا‮. ‬كما أن توسع مجلس التعاون الخليجي في صورة عقد‮ "‬شراكات محدودة‮" ‬على الأقل مع دول‮ ‬غير خليجية،‮ ‬مثل الأردن والمغرب،‮ ‬يعكس إدراكه المتزايد بأن الروابط الاقتصادية والسياسية الأوسع بين الدول العربية تعد عاملا رئيسيا في الحفاظ على الاستقرار الإقليمي،‮ ‬ولإعطاء هذه الدول فرصة للاستجابة للمطالب الشعبية الخاصة بالحصول على المزيد من الحريات وتحقيق الرخاء،‮ ‬وذلك من خلال التغيير التدريجي الذي لا يتسم بالعنف‮.‬

ومن ناحية رابعة،‮  ‬كان لأحداث العام الماضي تداعيات مهمة على وضع الإعلام في المنطقة العربية،‮ ‬حيث لعبت المنظمات الإعلامية الرئيسية،‮ ‬خاصة قناة الجزيرة القطرية،‮ ‬دورا مهما،‮ ‬سواء في عرض الثورات الشعبية التي أطاحت بالنظم في تونس ومصر وليبيا،‮ ‬أو في تعزيز‮ "‬الشرعية‮" ‬لها‮. ‬كما كان الإعلام الاجتماعي وصحافة المواطن عاملين رئيسيين في نشر الأخبار،‮ ‬وتوصيل المفاهيم،‮ ‬وحشد الدعم لهذه الأحداث الدراماتيكية‮. ‬وقد أظهر الإعلام العربي قدرته على‮ "‬تحفيز‮" ‬التغيير الاجتماعي،‮ ‬وأيضا قدرته على أن يكون في حد ذاته قوة اجتماعية رئيسية‮.‬

وتجادل هذه الورقة بأن هناك إعادة توزيع للقوة في المنطقة العربية،‮ ‬حيث أفسحت هذه التغيرات المجال‮  ‬أمام دول عربية أخرى،‮ ‬بخلاف القوى المهيمنة التقليدية،‮ ‬مثل السعودية ومصر،‮ ‬وبصورة أقل سوريا،‮ ‬للقيام بأدوار أكثر تأثيرا وفاعلية في الشئون الإقليمية‮. ‬وتعد قطر مثالا بارزا لدولة عربية صغيرة تمارس دورا فاعلا على المستوي الإقليمي،‮ ‬حيث استطاعت استغلال الفرصة التي وفرتها هذه اللحظة التاريخية،‮ ‬والقيام بدور قيادي أكبر في المنطقة،‮ ‬مع ملاحظة أنها لعبت دورا مهما خلال الفترة السابقة على الربيع العربي‮.‬

وفي هذا السياق،‮ ‬تناقش هذه الورقة أدوات القوة التي استخدمتها قطر،‮ ‬أثناء وبعد الربيع العربي،‮ ‬بهدف تعزيز دورها كلاعب إقليمي ودولي رئيسي،‮ ‬مع ملاحظة أن الدور الفاعل لقطر سابق على الربيع العربي‮. ‬كما تناقش الورقة تداعيات الممارسات القطرية على توازن القوى في الخليج،‮ ‬وكيف يمكن أن تمارس قطر دورها في المستقبل بصورة بناءة لتحقيق التنمية السياسية والاجتماعية والاقتصادية في العالم العربي،‮ ‬وأيضا لتهدئة أو حل النزاعات الإقليمية‮.‬

أولا‮- ‬أبعاد القوة القطرية‮ .. ‬القوة الذكية؟

تجادل هذه الورقة بأن قطر قد استخدمت أدوات متعددة من القوة،‮ ‬معتمدة في ذلك على القوة الذكية،‮ ‬بمعني ممارسة النفوذ من خلال الطرق الدبلوماسية،‮ ‬والإكراه،‮ ‬وبناء القدرات،‮ ‬والتعاون المدعوم بالشرعية،‮ ‬والنفوذ‮  ‬الاقتصادي،‮ وذلك في محاولة منها للتغلب على تواضع إجمالي قدراتها المادية،‮ ‬مقارنة بالدول الأخري‮. ‬ويتطلب فهم نزوع قطر لاستخدام هذا الشكل من القوة تحليل ما تمتلكه من عناصر القوة الأخري‮.‬

فمن ناحية،‮ ‬تمتلك قطر قدرات اقتصادية مهمة،‮ ‬حيث تعد واحدة من أغني الدول العربية،‮ ‬إذ يعد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومستويات المعيشة بها من أعلى المستويات في العالم‮. ‬ورغم أنها،‮ ‬مثل دول الخليج الأخري،‮ ‬تقوم ثروتها بالأساس على صادرات النفط والغاز الطبيعي،‮ ‬فإنها اتخذت خطوات لتنويع قاعدتها الاقتصادية،‮ ‬وبناء قطاع مالي قوى يدير استثمارات بقيمة تريليون دولار‮.‬ومن المخطط أن يتم تخصيص نحو ‮ ‬40 من ميزانية الدولة لتطوير البنية التحتية خلال السنوات الأربع المقبلة‮. ‬كما تحظي قطر بعلاقات تجارية قوية مع الاقتصادات العالمية الكبري،‮ ‬مثل الولايات المتحدة،‮ ‬وأوروبا،‮ ‬واليابان،‮ ‬وكوريا،‮ ‬بالإضافة إلي الدول الرئيسية في الإقليم،‮ ‬مثل السعودية‮. ‬كما تملك هيئة الاستثمار القطرية أصولا وحصصا بقيمة ‮ ‬70 مليار دولار في كبري الشركات في مختلف أنحاء العالم‮. ‬وكذلك،‮ ‬تستثمر قطر بصورة مكثفة في المنطقة العربية،‮ ‬حيث تستثمر نحو‮  ‬ملياري دولار في السودان،‮ ‬و10 مليارات دولار في ليبيا‮ (‬كانت قد التزمت بها قبل الإطاحة بمعمر القذافي،‮ ‬لكنها لا تزال سارية‮).‬

وتعد قطر أيضا من بين الدول العربية التي بدأت عملية إصلاح سياسي،‮ ‬حيث تحركت خلال السنوات الأخيرة نحو تبني بعض الآليات الديمقراطية،‮ ‬خاصة أنها كانت ثاني دولة خليجية تمنح المرأة حق التصويت والانتخاب،‮ ‬بعد عمان‮.  ‬ولكن لا تزال هناك مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان،‮ ‬خاصة فيما يتصل بمعاملة العمالة الأجنبية،‮ ‬إلا أنها منحت العمال حق تكوين نقابات عمالية عام ‮ ‬2004. وربما يؤدي النمو المستمر والاصلاح السياسي إلى حدوث المزيد من التقدم في الحريات العامة‮.‬

ومن ناحية ثانية،‮ ‬تمتلك قطر قوة عسكرية‮ "‬محدودة‮"‬،‮ ‬حيث إن قوام قواتها المسلحة يبلغ‮ ‬فقط نحو‮ ‬12 ألف جندي،‮ ‬وتحافظ‮  ‬قطر على وضعها الأمني والدفاعي من خلال اتفاقيات دفاعية مع القوى العسكرية الأكبر،‮ ‬وعلى وجه التحديد الولايات المتحدة،‮ ‬من خلال استضافتها لقاعدة جوية إقليمية رئيسية للولايات المتحدة‮. ‬كما ترتبط قطر باتفاقات دفاعية مع دول أخري،‮ ‬مثل المملكة المتحدة،‮ ‬وفرنسا،‮ ‬وباقي أعضاء مجلس التعاون الخليجي‮. ‬ونظرا لتعدادها السكاني الصغير،‮ ‬لا تستطيع قطر تكوين جيش كبير من مواطنيها،‮ ‬إلا إذا اتبعت نفس استراتيجية البحرين،‮ ‬حيث دعت مواطني الدول العربية الأخري للانضمام لقوة الأمن الخاص،‮ ‬مقابل منحهم الجنسية البحرينية‮.‬

ومن ناحية ثالثة،‮ ‬نشطت قطر في لعب دور الوسيط في النزاعات الإقليمية،‮ ‬والمشاركة بدور قيادي في المؤسسات الدولية،‮ ‬حيث نجحت عام ‮ ‬2008 في التوسط لإبرام‮ "‬اتفاق الدوحة‮" ‬لإنهاء الأزمة السياسية في لبنان‮. ‬وفي عام ‮ ‬2010، توسطت من أجل وقف إطلاق النار في السودان بين حكومة الخرطوم ومتمردي دارفور‮. ‬وفي كلتا الحالتين،‮ ‬حققت قطر نجاحا،‮ ‬بينما أخفقت القوى الفاعلة الإقليمية والدولية الأخري،‮ ‬الأمر الذي عزز من سمعتها كوسيط‮ "‬أمين‮" ‬بين الأطراف المتنازعة‮. ‬بالإضافة إلى ذلك،‮ ‬قادت قطر الجامعة العربية لاتخاذ إجراء لإنهاء الأزمة في سوريا،‮ ‬بل وذهبت أخيرا إلى حد المطالبة بتدخل عسكري خارجي،‮ ‬وهي خطوة جريئة ومحفوفة بالمخاطر،‮ ‬خاصة بالنسبة لدولة كانت حتي العام الماضي على علاقة طيبة بنظام الأسد في دمشق،‮ ‬لكنها خطوة تحظي قطر الآن بالشرعية الإقليمية والدولية اللازمة للمطالبة بها‮. ‬إلى جانب ذلك،‮ ‬استضافت قطر جولة المفاوضات التجارية الخاصة بمنظمة التجارة العالمية التي بدأت عام ‮ ‬2001. والآن،‮ ‬يعمل مندوبها رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة‮. ‬كما عززت قطر من نفسها كمستضيف للأحداث الرياضية الدولية الكبري،‮ ‬مثل كأس العالم،‮ ‬ودورة الألعاب الأوليمبية‮.‬

ومن ناحية رابعة،‮ ‬تتمتع قطر بوضع فريد بين اللاعبين الرئيسيين في العالم العربي‮. ‬فمن ناحية،‮ ‬لا تنتمي قطر لمجموعة‮ "‬الاستقرار‮"‬،‮ ‬أو‮ "‬الوضع الراهن‮" ‬التي تضم الملكيات المحافظة،‮ ‬وعلى رأسها السعودية،‮ ‬أو‮ "‬محور المقاومة‮" ‬الذي يضم إيران وعملاءها السوريين واللبنانيين،‮ ‬كما تحتفظ قطر بعلاقات‮ "‬صداقة‮" ‬مع‮  ‬دول الجانبين‮.  ‬ومن ناحية ثانية،‮ ‬تعد قطر حليفا وثيقا للولايات المتحدة،‮ ‬وتستضيف أكبر قاعدة جوية أمريكية في الشرق الأوسط‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬فهي تملك من الثروة والنفوذ ما يمكنها من الابتعاد عن العمل،‮ ‬أو كعميل أو دمية أمريكية،‮ ‬فهي قادرة على العمل بشكل مستقل عن المصالح الأمريكية في المنطقة‮. ‬كما يرجع تفرد وضعها إلى ارتباطها بعلاقات ودية بكل من إسرائيل وحماس حتي عام ‮ ‬2009.

وقد أدى الغزو الإسرائيلي لغزة في ذلك العام إلي استحالة أن تحتفظ بعلاقاتها مع إسرائيل،‮ ‬دون أن تخسر مكانتها مع باقي دول المنطقة‮. إن تمرس قطر في تطبيق السياسات الواقعية،‮ ‬والقدرة على البقاء على الحياد والاحتفاظ بعلاقات ودية مع عدوين لدودين،‮ ‬هو أفضل مثال على كيفية توظيف الدولة مبدأ القوة الذكية على مدي السنوات الماضية‮.‬

ومن ناحية خامسة،‮  ‬تعتمد قطر على الأداة الإعلامية،‮ ‬إحدي أدوات القوة الجديدة،‮ ‬في ممارسة دورها في المنطقة‮. ‬حيث لعب التطور السريع لقناة الجزيرة،‮ ‬من مجرد قناة إخبارية عربية إلي شبكة إعلامية دولية ناطقة بلغات متعددة،‮ ‬دورا مهما في تعزيز دور قطر ومكانتها،‮ ‬حيث نالت هذه القناة الإشادة لكونها أكثر حيادية ورغبة في بث الآراء المتضاربة من المنظمات الإعلامية العالمية الرئيسية الأخري،‮ ‬خاصة عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة،‮ ‬مثل الحروب الأمريكية في أفغانستان،‮ ‬والعراق،‮ ‬والصراع الإسرائيلي‮ - ‬الفلسطيني‮.‬

ومع ذلك،‮ ‬فقد وجه إليها النقد بسبب تغطيتها المنحازة والمفبركة،‮ ‬واتهمت أيضا بالتحيز لأحد الأطراف في ثورات الربيع العربي،‮ ‬حيث اتهمت بتقديم المساعدة في هذه الثورات،‮ ‬من خلال تغطيتها المؤيدة لفكرة الثورة ومطالبها‮. ‬وكثيرا ما كانت تتهم الجزيرة في العالم العربي بالانتقائية في التغطية،‮ ‬وبالتحيز في تغطيتها لسوء تصرفات أنظمة معينة،‮ ‬مثل الأردن،‮ ‬بينما تفشل في تغطية انتهاكات مماثلة ترتكبها السعودية أو بالطبع قطر‮. ‬ومن جانبها،‮ ‬تدعي الجزيرة أنها تتمتع بالاستقلالية،‮ ‬لكنه كثيرا ما يتم التشكيك في هذا الزعم‮. ‬فقد زعمت المراسلات‮  ‬الداخلية لوزارة الخارجية الأمريكية،‮ ‬التي تم تسريبها عام ‮ ‬2010 عن طريق موقع ويكيليكس،‮ ‬أن الحكومة القطرية تؤثر في تغطيات القناة للأحداث لأغراض سياسية‮.

‬وعلى أية حال،‮ ‬ينظر إلي قناة الجزيرة بشكل واسع النطاق على أنها أداة من أدوات النفوذ القطري في المنطقة،‮ ‬خاصة باعتبارها منافسا لشبكة‮ "‬العربية‮" ‬التي تملكها السعودية‮. ‬وبهذا الشكل،‮ ‬يمكن اعتبار تغطية الجزيرة لأي حدث خارج قطر على أنه صورة من صور التدخل في هذا الحدث،‮ ‬وذلك مثلما اتضح من خلال العلاقة القوية بين موقف قطر من الأزمة السورية،‮ ‬وتغطية قناة الجزيرة للأزمة‮.‬

ثانيا‮- "‬حدود‮" ‬القوة القطرية‮:‬

رغم قدرة قطر حتي الآن على التغلب على الفجوة بين عناصر القوة التي تمتلكها،‮ ‬والدور الذي تقوم به،‮ ‬من خلال سياسات القوة الذكية،‮ ‬فإن قدرتها على تجنب سلبيات تلك الفجوة،‮ ‬ومواصلة ممارستها للقوة على النحو الذي تتبعه خلال المرحلة الحالية،‮ ‬يرد عليهما عدد من القيود‮.‬

يتعلق القيد الأول بالقوة العسكرية المحدودة لقطر،‮ ‬والتي تعيق قدرتها على التدخل بشكل أحادي الجانب،‮ ‬رغم أنه لم يتعين عليها حتي الآن المشاركة في أي عمل عسكري خارج نطاق تحالف عربي أو دولي‮. ‬وعلى الجانب الآخر،‮ ‬فإن‮ ‬غياب القوة الصلبة،‮ ‬وتحديدا العسكرية،‮ ‬يمنع قطر من القيام بمغامرات عسكرية،‮ ‬ويجبرها على الاعتماد على الطرق‮ ‬غير العسكرية للتدخل‮. ‬في الوقت الحالي،‮ ‬يبدو أن قطر لها مصلحة قوية في تطوير هيكل إقليمي للقوة،‮ ‬من خلال التكامل الاقتصادي،‮ ‬وتحقيق الاستقرار في المنطقة،‮ ‬لا تشكل فيه القوة العسكرية عاملا محددا للهيمنة في العالم العربي‮. ‬ومثل هذا الهيكل،‮ ‬الذي يتفوق فيه النفوذ الاقتصادي والإعلامي على القوة العسكرية،‮ ‬سوف يسهل على قطر ممارسة النفوذ والقيادة،‮ ‬خاصة بالنسبة للسعودية المسلحة بشكل أفضل بكثير‮.‬

ويتعلق القيد الثاني بالسعودية،‮ ‬وهل ستكون منافسا لقطر أم لا‮. ‬فالقوة المتصاعدة لقطر لها تأثيرات متعددة على وضع الدول الغنية الأخري في منطقة الخليج،‮ ‬وعلى وجه التحديد السعودية،‮ "‬القوة المهيمنة‮" ‬في العالم العربي منذ أمد بعيد‮. ‬وبالفعل،‮ ‬هناك منافسة واضحة على النفوذ الإقليمي بين قطر والسعودية،‮ ‬ومن المحتمل أن تتزايد حدة هذه المنافسة خلال السنوات القادمة‮. ‬لكن هذا ليس بالضرورة نذير سوء بالنسبة لأمن المنطقة،‮ ‬حيث تحظي قطر بعلاقات تجارية قوية مع كل من السعودية والإمارات العربية المتحدة‮. ‬كما أن توسع التعاون الاقتصادي العربي،‮ ‬من خلال مجلس التعاون الخليجي على وجه التحديد،‮ ‬يجعل إمكانية اندلاع نزاع بين هذه الدول أمرا بعيدا للغاية‮.‬

إن إيجاد ثقل موازن للنفوذ السعودي في المنطقة العربية،‮ ‬في صورة منافس صديق،‮ ‬يحمل معه إمكانية التخفيف من حدة التوجهات المثيرة للقلق،‮ ‬مثل انتشار السياسات الإسلامية الرجعية،‮ ‬والمواقف المولعة بالقتال تجاه إيران‮. ‬ونظرا للمنافسة القائمة بين قطر والسعودية على النفوذ السياسي والاقتصادي،‮ ‬وليس على الأرض والموارد أو الهيمنة العسكرية،‮ ‬ولأن طبيعة هذه المنافسة لا تميل إلى العداء،‮ ‬فليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنها سوف تتسبب في إثارة العنف‮. ‬ومع ذلك،‮ ‬فإنه من مصلحة قطر ومصلحة المنطقة بأسرها توضيح كيف تستطيع القوة الخليجية الناشئة تأكيد دورها الجديد بصورة بناءة،‮ ‬وفي الوقت نفسه الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع جيرانها ومنافسيها‮.‬

خاتمة‮:‬

بوجه عام،‮ ‬تكمن قوة قطر بشكل كبير في ثروتها،‮ ‬وقدرتها على تخصيص مبالغ‮ ‬مالية ضخمة للمشروعات التنموية،‮ ‬وللدول الأخري وللصناعات في الخارج،‮ ‬وفي أداتها الإعلامية،‮ ‬مما يمنحها قدرا كبيرا من القوة التفاوضية السياسية والدبلوماسية‮. ‬وبالتالي،‮ ‬تمكنت قطر من الاحتفاظ بنفوذ ملحوظ في المنطقة بدون امتلاكها قوة عسكرية كبيرة،‮ ‬على نحو يحاكي الشكل الذي استخدمت به اليابان قوتها الاقتصادية لممارسة دور الزعامة في منطقة الباسيفيك،‮ ‬رغم امتلاكها قوة عسكرية صغيرة للغاية بالنسبة لعدد سكانها‮.‬

وقد يكون من المفيد قيام الخبراء في العلاقات الدولية،‮ ‬والدراسات العسكرية،‮ ‬والدبلوماسية،‮ ‬والعلوم السياسية،‮ ‬والإعلام،‮ ‬بتحليل دور سياسات القوة الذكية القطرية في المنطقة،‮ ‬ومستقبل هذا الدور،‮ ‬عقب التغيرات التي أحدثها الربيع العربي‮. ‬وربما الأهم من كل هذا،‮ ‬كيف يمكن استخدام حالة قطر كنموذج لاستخدام القوة الذكية من جانب القوى الفاعلة في المنطقة،‮ ‬لتحقيق أغراض إيجابية،‮ ‬مثل السلام والاستقرار،‮ ‬والتنمية الاقتصادية‮.‬

طباعة

تعريف الكاتب

د.يسار القطارنة

د.يسار القطارنة

خبير في الدراسات الأمنية وحلحلة الصراعات، رئيس معهد الطريق الثالث، عمان - الأردن.