من المجلة - تقارير

انعكاسات التدخل الروسي علي دور إيران في سوريا

طباعة
قلب التدخل العسكري الروسي المباشر في الأزمة السورية الموازين السياسية - العسكرية في سوريا، وغير جانبا من المعادلة ظل ثابتا إلي نحو خمس سنوات، وهو الجانب المتعلق بكون إيران الكفيل العلني الرئيسي للنظام السوري، واستحواذها على الكلمة الأخيرة في قراراته.
 
وبعد التدخل الروسي المباشر، لم يعد اللاعبون الإقليميون، سواء الداعمون للنظام السوري (إيران)، أو المناهضون له (المملكة العربية السعودية، وتركيا) هم الفاعلين الرئيسيين في المشهد. فقد حول الانخراط الروسي العسكري المباشر شكل الصراع من صراع أطرافه وأدواته الأساسية إقليمية، إلي صراع مباشر بين إرادات دولية، الأمر الذي استتبع بالضرورة خصما من رصيد وأوراق اللاعبين الإقليميين، وعلى رأسهم إيران.
 
أولا- رؤية إيران للتدخل الروسي:
 
تنطلق رؤية إيران تجاه التدخل الروسي العسكري في سوريا من منظورين:
 
1- الثقة الإيرانية:
 
يستند أصحاب تلك الرؤية إلي أن الإنزال الروسي في سوريا، الذي بدأ في سبتمبر 2015، جاء بالتشاور مع طهران التي "اطمأنت" إلي التدخل الروسي. وتفسر هذه الآراء الخطوة الروسية برغبة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في إعادة دور الاتحاد السوفيتي كلاعب فاعل على الساحة الدولية. وبعدما تمكن من تخطي ما يوصف بـ "الفخ الأوكراني"، وأحدث شرخا حيال هذه القضية في المعسكر الأوروبي، انتقل إلي سوريا التي تشكل منفذ موسكو الوحيد على مياه المتوسط. لكن بوتين -وفق هذا الرأي- لا يريد تحمل أثمان باهظة. لذا، فإن خطواته مدروسة جيدا، وهو يتصرف ضمن استراتيجية "إعادة الهيبة السوفيتية"، مجاهرا فقط بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي شريك في محاربة الإرهاب(1).
 
وفقا لهذا التصور، فإن خطاب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أكد فيه تدخل بلاده حربيا في سوريا، يستند إلي خلفية واقعية. فقد اكتشف الروس أن وضع الرئيس بشار الأسد وجيشه النظامي في مواجهة الجماعات التكفيرية المتطرفة غير مجد للحصول على دعم الغرب، فقرر بوتين النزول مباشرة إلي الساحة السورية، حاملا راية محاربة الإرهاب بضوء أخضر أمريكي ينم عن انعطافة أمريكية أكيدة تجاه مقاربة الموضوع السوري، من دون مبالغة تصل إلي حد إعادة تعويم نظام الأسد.
 
تستمد هذه الرؤية وجاهتها من عدد من المعطيات والمسوغات، أهمها:
 
أ- الزيارات المتوالية للقادة العسكريين الروس إلي طهران، والزيارات المماثلة التي قام بها مسئولون إيرانيون إلي روسيا، لعل أبرزها الزيارة غير المعلنة، التي أثارت جدلا بين موسكو وواشنطن، والتي قام بها قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني(2)، إلي روسيا نهاية يوليو 2015، أي قبل قيام روسيا بالعمليات العسكرية، مما فهم منه إطلاع روسيا الإدارة الإيرانية على خططها الاستراتيجية تجاه سوريا.
 
ب- الزيارتان اللتان قام بهما على التوالي وزير الدفاع الإيراني، حسين دهقان، إلي موسكو، يوم الثلاثاء 16 فبراير 2016، ثم وزير الدفاع الروسي الروسي، سيرجي شويجو، إلي طهران، يوم الأحد 21 فبراير 2016. والتقي الوزيران في الزيارتين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، مما أثار في الأذهان حجم التفاهم المشترك بين البلدين تجاه الملفات المشتركة، وعلى رأسها الوضع في سوريا، خاصة أن الزيارتين لم تفصلهما سوي خمسة أيام فحسب.
 
ج- الإعلان الروسي عن قرب تسليم إيران عددا من المنظومات الدفاعية المتطورة المضادة للصواريخ من طراز إس-300، ونية روسيا تزويد إيران بطائرات حربية من طراز سوخوي-.30 ولأن صفقة إس-300 كانت محل نزاع بين طهران وموسكو، على خلفية امتناع الأخيرة عن تزويد الأولي بها، كورقة ضغط على المجتمع الدولي في أزمة القرم، متذرعة بالتزامها بتنفيذ بنود العقوبات الدولية المفروضة على طهران، وقيام إيران برفع دعوي قضائية ضد روسيا لتسليم الصفقة، فإن الإعلان الروسي عن تسليم إيران تلك المنظومة أعطي للإدارة الإيرانية انطباعا عن رغبة روسيا في تكملة الدور الذي تضطلع به إيران، وليس الخصم من رصيدها السوري.
 
4- نجاح استراتيجية "ضمان التفوق"، التي تري إيران من خلالها أن الوجود الروسي سيؤدي فورا إلي تفوق معسكرها في مواجهة المعسكر الآخر، خاصة أن إضعاف القوى المتموضعة في معكسر التحالف الدولي سيؤدي حتما إلي إضعافها في الملفات الأخري. وهنا، تجب الإشارة إلي نظرة إيران إلي المملكة العربية السعودية التي تناوئها في ملفين آخرين لا يقلان أهمية عن الملف السوري، وهما: اليمن ولبنان(3).
 
2- تعارض المصالح:
 
يري عدد من المحللين أن التدخل العسكري الروسي في سوريا أفرز عددا من نقاط التقاطع (التعارض) في المصالح الإيرانية - الروسية. وتتمثل تلك النقاط في:
 
أ- التخوف الروسي من الكتائب التي شكلتها إيران بسوريا في السنوات الثلاث الأخيرة، بدعم من خبرات الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في تشكيل الميليشيات المسلحة(4). لذلك، اقترحت موسكو ضم تلك الكتائب إلي القوات المسلحة السورية النظامية، تلك التي تقيم معها موسكو علاقات ممتدة منذ منتصف القرن العشرين. وهي خطوة أثارت امتعاضا إيرانيا، فقد استشعرت إيران أن روسيا تستهدف حرمانها من ظهيرها العسكري، الذي شكلته على غرار الحرس الثوري، عقب الثورة الإسلامية عام 1979، وبالتالي انفراد روسيا بالقوى العسكرية المتخندقة في معسكر بشار الأسد. ولو كانت فكرة روسيا غير محل شك من جانب إيران، لكانت الأخيرة ضمت تلك الفرق والكتائب إلي الجيش النظامي فور تشكيلها.
 
ب- التنسيق الروسي مع إسرائيل في منطقة شرقي المتوسط، والتدريبات العسكرية الثنائية بين سلاحي الجو الروسي والإسرائيلي، وهم ما يصطدم بشكل مباشر مع الركائز الدعائية الإيرانية، تلك التي تمحورت في صلبها حول العداء مع إسرائيل، متذرعة بأن إسرائيل هي المستفيد الرئيسي من رحيل الأسد. غير أن الخطوة الروسية وضعت طهران أمام حرج بالغ، خاصة إزاء قواعدها الشعبية في البلدان الإسلامية، ووضعت مصداقيتها على المحك، لجهة تنسيق محورها مع عدوها الكلاسيكي منذ قرابة 37 عاما.
 
ج- أدي التدخل العسكري الروسي ومواقف إيران غير المنسجمة والمتكيفة معه إلي تلكؤ روسيا في التزامها العسكري تجاه إيران، خاصة أنها أجلت إمداد إيران بمنظومة إس-300 إلي أغسطس أو سبتمبر 2016، مما وشي بخلافات حادة وغير معلنة في وجهتي النظر الروسية والإيرانية تجاه استراتيجيات موسكو في المعارك الميدانية المحدودة في سوريا، خاصة أن روسيا أعلنت رغبتها في تبديل الصفة بأنواع أخري من الصواريخ، غير أن إيران رفضت صفقة المقايضة الروسية(5).
 
د- الرفض الإيراني المطلق لإقامة أي كيانات فيدرالية على الأراضي السورية، وهو ما يصطدم على نحو مباشر مع المبادرة الروسية تلك التي تقدم بها سيرجي ريابكوف، نائب وزير خارجية روسيا، الذي أعرب، يوم الاثنين 29 فبراير 2016، عن أمله في أن تتوصل الأطراف المشاركة في مفاوضات جنيف إلي تحويل سوريا لجمهورية اتحادية.
 
هـ- التعاون الروسي مع الأكراد في سوريا كإجراء عقابي يستهدف اللاعب التركي في المقام الأول، والتفاوض حول إقامة كيان مستقل لهم في مستقبل سوريا. وهو ما ترفضه إيران، ويعد بالنسبة لها من أساسيات العمل في سوريا. ذلك أن التعاون مع الأكراد، وإقامة دولة مستقلة لهم -وفق المنظور الإيراني- سوف ينسحبان على الكتلة الكردية الكبيرة الموجودة داخل الجمهورية الإسلامية. وظهر الرفض الإيراني للسلوك الروسي تجاه هذا الملف، من خلال تصريحات الرئيس حسن روحاني، حين أكد أن "بلاده لا توافق بالضرورة على أي خطوة تقوم بها روسيا"، مؤكدا أن "إيران مع وحدة الأراضي السورية وسيادتها على كامل أراضيها".
 
و- قطع الخط البري الموصول بين طهران وحزب الله، فقد قامت روسيا بعدد من الإجراءات التي تتقاطع مع الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، والتي من أجلها دعمت نظام بشار الأسد، لعل أبرزها التنسيق مع الولايات المتحدة، وفق قرار مجلس الأمن رقم 2268، الذي دعم ما يعرف بـ "اتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا"، وهو ما يعني التمهيد لإقامة دويلات عرقية/ دينية منفصلة في سوريا، وبالتالي يمنع إيران من الوصول البري إلي جنوبي لبنان، وإمداد حزب الله بالسلاح. وعليه، تنذر تلك الخطوة -حال تحققها- بانتهاء الدور المرسوم لحزب الله إيرانيا على المدي المنظور.
 
ز- مكان بشار الأسد كجزء من مستقبل سوريا. فمن الواضح أن هناك تناقضات جذرية في رؤية طهران وموسكو لجهة دور بشار الأسد في المديين القريب والمتوسط. فبينما باتت روسيا أكثر ميلا إلي تخلي بشار الأسد عن السلطة في المدي القريب، تري إيران أن رحيل بشار الأسد في الشهور الثمانية عشر المقبلة ينذر بهدم التصورات الإيرانية حيال مصالحها، وظهر ذلك على نحو بينِّ من خلال تصريحات عدد من القادة الإيرانيين(6).
 
تشير الفرضيتان السابقتان إلي احتمالين، أولهما: أن إيران متكيفة مع التدخل العسكري الروسي في سوريا.
 
ثانيهما: أن نقاط التقاطع بين البلدين صارت أكثر مما كانت عليه قبل التدخل الروسي. ووفقا للمسوغات المتقدمة، فإن الفرضية الثانية هي الأرجح.
 
ثانيا- موقع إيران في سوريا المستقبلية:
 
على الرغم من تموضع إيران في المعسكر السوري - الروسي، فإن طهران تريد أن تشكل لنفسها معادلة خاصة، تتفاعل في إطارها مع اللاعبين الرئيسيين في المسألة السورية، بما في ذلك روسيا.
 
فقبل اكتمال الربع الأول من العام الجاري (2016)، انتهجت روسيا سلوكا لا يرضي إيران كثيرا، من ذلك: التعاون مع الإسرائيليين والأكراد، والدعوة لتسمية حكومة جديدة. وهنا، ظهر التناقض الإيراني - الروسي بشكل فج وصارخ، من خلال استهداف طهران الإبقاء على الرئيس السوري، بشار الأسد، إلي أجل غير مسمي على رأس السلطة، ومن ثم السعي نحو إلحاق هزيمة كاملة بالمعارضة السورية، وبالأطياف المتنوعة التي تحارب تحالفات بشار الأسد، وليس التوصل إلي حلول وسط.
 
هنا، كان على إيران أن تعمل وفق خطة تمكنها أولا من الحفاظ على ما تبقي من سيطرة بشار الأسد على الأراضي السورية، ثم البحث عن نافذة لها على المتوسط، وبالتالي يمكنها بعد ذلك تحرير الأراضي التي تم الاستحواذ عليها بواسطة الجيش السوري الحر وتشكيلاته، وجيش الفتح، وجيش الإسلام، وتنظيم الدولة، وجبهة النصرة.
 
في سبتمبر 2015، قال الرئيس السوري بشار الأسد إنه سيعمل على الحفاظ على منطقة سوريا المفيدة(7). ويبدو من هذا الاصطلاح القديم - الجديد الذي استخدمه بشار الأسد أنه مدفوع برغبة إيران في التشبث بما تبقي للقوات الموالية لبشار من أراض في غربي سوريا، مما يعني أن إيران رسمت لنفسها موقعا مغايرا في مستقبل سوريا، سواء في المدي القريب، أو المتوسط، أو البعيد، وهو ما يمكن تمييزه فيما يأتي:
 
1- المدي القريب: الحفاظ على الأراضي السورية موحدة وغير مقسمة، ومواجهة أية دعوات من شأنها إعطاء حقوق أو وعود انفصالية، خاصة للأقلية الكردية التي تعمل مع القوات الروسية، ومن ثم إيجاد منفذ على البحر المتوسط يمكنها من الذهاب إلي إسرائيل بحرا.
 
2- المدي المتوسط: العمل من خلال سوريا المفيدة ككتلة جغرافية تفاوضية، يمكن من خلالها التوصل إلي الأفضليات الممكنة، خاصة تلك التي تتعلق بالفترة الانتقالية المفضية إلي رحيل بشار الأسد، خاصة أن روسيا ضغطت من أجل إشراك إيران في مفاوضات جنيف الخاصة بتسوية الأزمة السورية.
 
3- المدي البعيد: منع روسيا من التمدد والسيطرة على العراق، ذلك الذي تمتلك فيه إيران نفوذا سياسيا حصريا، إلي جانب كون العراق ثاني أكبر مستورد للبضائع الإيرانية، بعد الصين، فضلا عن رأس المال النفطي الناتج عن بيع 150 ألف برميل نفط يوميا، وكذلك اعتماد طهران على بغداد كحائط صد أمام الإجماع العربي في المحافل الإقليمية.
 
على هذا الأساس، يظهر لإيران موقع بارز في مستقبل سوريا في كل الاحتمالات، سواء برحيل بشار الأسد، أو بقائه، ذلك أنه من خلال الحفاظ على منطقة سوريا المفيدة، تتمكن إيران من التفاوض بارتياح حول وضعها في سوريا، ومن ثم تموضعها في الملفات العربية السائلة باليمن، ولبنان، والعراق. لذلك، ليس غريبا أن "تشكل سوريا لإيران أهمية استراتيجية تفوق أهمية الأراضي الأحوازية"(8).
 
ثالثا- حدود التباين الروسي - الإيراني:
 
يلعب عدد من القوى الفاعلة في الأزمة السورية دورا كبيرا في التسريع من وتيرة التباعد الإيراني - الروسي، وإماطة اللثام عن اختلافات وجهتي نظر البلدين -إيران وروسيا- لجهة تناقضات الأوضاع ميدانيا. ويأتي على رأس تلك القوى اللاعبان التركي والأمريكي:
 
1- تصاعد العلاقات التركية - الإيرانية، خاصة عقب زيارة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو إلي إيران، والتنسيق معها لتحل محل روسيا في إمدادها باحتياجاتها من الغاز المسال، بعد أن فرضت موسكو عقوبات اقتصادية متعددة على أنقرة، وحرمتها من الخط التجاري التركي - الروسي، فضلا عن الغاز الروسي المسال، على خلفية أزمة إسقاط الطائرة الروسية سوخوي، وبالتالي لجأت تركيا إلي إيران لتعويض النقص الفادح في الطاقة اللازمة لتدوير المصانع التركية. وعلى هذا الأساس، تشير العلاقات التركية - الإيرانية إلي شقاق محتمل في العلاقات الروسية - الإيرانية، لأنه من شأن المعادلة الإقليمية أن تشكل العلاقات التركية - الإيرانية في مضامينها معاملا عكسيا مع العلاقات الروسية - الإيرانية.
 
2- تباين المواقف الروسية - التركية إزاء ملف الأكراد، وتطابق وجهتي النطر التركية - الإيرانية إزاء الحيلولة دون إقامة كيان كردي مستقل. ذلك أن أنقرة وطهران تتفقان على أن الدعم الجوي الذي توفره القوات الجوية الروسية للقوات الكردية يمنح الأكراد طاقة دفع في اتجاه إقامة دولة مستقلة لهم، يكون أحد تداعياتها على كل من الداخل الإيراني والتركي كارثيا، إذ من المرجح أن تسعي الأقليات الكردية في إيران وتركيا إلي إقامة دويلات مستقلة، على غرار التجربة الافتراضية لأكراد سوريا.
 
3- استراتيجية البوابات المفتوحة، التي دعا إليها رئيس الوزراء التركي، أحمد داود أوغلو، إبان زيارته لطهران يوم 6 مارس 2016، والتي قال فيها إن "تركيا بوابة إيران إلي أوروبا، وطهران بوابتنا إلي آسيا، وهذا يضمن لنا إمكانيات استثنائية في مجال النقل والدعم اللوجيستي"، في عبارة تشير إلي أن طهران حلت بالفعل محل موسكو في الاستراتيجيات التجارية التركية، ولذلك حرص على الالتقاء بـ 160 من رجال الأعمال الإيرانيين، وأعلن رغبة بلاده في أن يصل الميزان التجاري بين البلدين إلي 50 مليار دولار، مما شكل خصما فوريا من الرصيد التجاري الروسي لمصلحة إيران.
 
4- حرص اللاعب الأمريكي على دفع إيران للمضي قدما في مواصلة الانفتاح الاقتصادي على الغرب، كواحد من أهم بنود برنامج الرئيس حسن روحاني الانتخابية، التي وعد بها ناخبيه في ربيع 2013، ويسعي لتحقيقها. وهنا، تبدو الحاجة الإيرانية إلي أمريكا متزايدة، وتعكس تلك الحاجة هامشا أمريكيا متزايدا يعمل على استعادة إيران المحور الغربي، بعد أن خسرته عقب نجاح الثورة الإسلامية عام .1979
 
5- الرصد الأمريكي الدقيق لحسابات إيران شديدة التعقيد بسبب السلوك الروسي في سوريا، وتعلم واشنطن أن طهران بدت متكيفة مع هذا الوجود من خلال معطيين بالغي الأهمية، أولا: ثقة إيران تماما بإخلاص روسيا في الحرب ضد الجماعات الإسلامية، وقد أعلنت صراحة -أي روسيا- أنها تستهدف تنظيم الدولة، فتاريخها حافل بهذا الأمر في أفغانستان(9)، وجروزني(10) على سبيل المثال. وعليه، تتكيف إيران -ولو جزئيا- مع الانخراط العسكري الروسي في الحرب ضد الجماعات الإسلامية، لا سيما أن كتائبها قد منيت بالعديد من الهزائم، ولم تحقق أي تقدم، باستثناء بعض المعارك الجانبية التي أحرز فيها حزب الله نجاحا. ثانيا: يتمخض عن التدخل الروسي في سوريا منع الانهيار المفاجئ للنظام السوري، بمعني أن الانتقال المنظم للسلطة، حتى لو كان داخل عائلة الأسد، أو تنازل بشار الأسد عن السلطة إلي القوات المسلحة، على غرار التجربة المصرية، يعد أمرا مقبولا بالنسبة لإيران. وعلى ضوء هذين المعطيين، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تشكيك إيران في النيات الروسية تجاه محاربة التنظيمات المتطرفة، وتجاه أفضليات طهران فيما يتعلق بانتقال السلطة.
 
6- تعتمد الولايات المتحدة الأمريكية على مواصلة الحرب الدعائية ضد القوات الروسية في سوريا، من أجل إقناع إيران بأن الخطط الروسية لا تتماشي مع الاستراتيجيات الإيرانية. وكثيرا ما خرجت تصريحات غربية تؤكد أن روسيا لا تستهدف تنظيم الدولة، وجبهة النصرة، بل توجه ضرباتها إلي تشكيلات أخري، من بينها الجيش السوري الحر. وعليه، تفقد إيران عوامل تكيفها مع التدخل الروسي الحربي في الأزمة.
 
عليه، يمكن القول إن أنقرة وواشنطن تلعبان دورين مهمين في تعميق الاختلاف الروسي - الإيراني الذي ينذر بالتحول إلي خلاف، خاصة بعد أن أدركت طهران في الوقت ذاته أن التدخل العسكري لروسيا في الأزمة السورية بدا أمام اللاعبين الدوليين والإقليميين أنها أصبحت طرفا أقل أهمية من فترة ما قبل التدخل الروسي العسكري في الأزمة.
 
رابعا- النظام السوري والعلاقات الإيرانية - الروسية:
 
يري نظام بشار الأسد سوريا دولة ذات جناح واحد. ورغم أن الرئاسة السورية، المتمثلة في بشار الأسد، هي الممسكة بمقاليد السلطة في المناطق الخاضعة لها حتى الآن، فإنه يجب عدم إغفال دور القوات المسلحة في الإبقاء على هذه المؤسسة الرئاسية بعد مضي نحو خمس سنوات على اندلاع الثورة.
 
هنا، يمكن القول إن النظام السوري يحكمه السلاح، كما تحكمه السياسة والاقتصاد. ويشير الوضع الراهن إلي توزيع الانتماءات والولاءات بين أجنحة السلطة على إيران وروسيا.
 
فبدءا من النصف الثاني من القرن العشرين، وتحديدا منذ عام 1946، وفي السنوات الماضية من القرن الحادي والعشرين، اعتمد الجيش العربي السوري على الخبرة الروسية في تكنولوجيا التسليح، وعلى تلك الخبرة في تدريب عناصر وأفراد أجهزته الاستخباراتية. وبالتالي، فإن ولاء القوات المسلحة السورية عقائديا يصب في خانة السلاح الروسي(11).
 
في المقابل، اضطلعت إيران بدور فاعل في نشر الميليشيات، تلك التي تعمل ضمن الإطار العسكري للنظام السوري، والتي تتمتع كذلك بولاء تام لطهران، وتحتفظ بهامش من الاستقلالية عن النظام لمصلحة الحرس الثوري، فضلا عن الاستحواذ الإيراني على السياسة السورية تماما، والتي عملت في السنوات العشر الماضية بكثافة على السيطرة على مفاصل صنع القرار في دمشق، بدءا من الدوائر المحيطة ببشار الأسد، مرورا بالتغلغل في الأجهزة الدبلوماسية والسياسية، وانتهاء بربط رأس المال السوري بـ "البازار"(12) الإيراني.
 
بوضع ذلك في الحسبان، فإن نظام بشار الأسد ليس كتلة واحدة يمكنها تغليب كفة أحد اللاعبين الإيراني أو الروسي. وفي الواقع، لا يملك الآن من أمر بلاده شيئا كثيرا. وعليه، يمكن التوصل إلي نتيجة تقوم على تفضيل بشار الأسد الخيار السياسي الإيراني بعيد المدي، مع تفضيل الخيار العسكري الروسي الآني، وظهر ذلك في تصريحاته التي أدلي بها فور التدخل العسكري الروسي، والتي همَّش فيها الدور الروسي، عادّا أنه مجرد "طرف في تحالف يضم إيران، والعراق، وسوريا"(13).
 
بالتالي، فإن حدود تأثير نظام بشار الأسد في تناقضات الأهداف الإيرانية - الروسية وتقاطعاتها تظل محدودة بالنظر إلي ارتهان مفاصل دولته بالسلاح الروسي، والسياسة والاقتصاد الإيرانيين، ومن ثم افتقاره لأدوات الضغط، وانعدام هامش المناورة، مع عدم وجود بدائل أخري للطرفين أمامه.
 
خاتمة:
 
على الرغم من قدرة الإدارتين الروسية والإيرانية على تفادي نقاط التقاطع الكائنة بينهما في المسألة السورية، والتي ظهرت على نحو واضح من خلال التصريحات المعلنة للجانبين، فإن معطيات الواقع تشي باتساع هوة الاختلافات التكتيكية بين الجانبين، مع ترجيح تحولها إلي خلافات في الرؤي الاستراتيجية، خاصة مع توافر البيئة المواتية لهذا الخلاف في وجود العاملين الإسرائيلي والكردي، واندماجهما في معادلة العلاقات الإيرانية - الروسية على الأراضي السورية، فضلا عن انخراط أنقرة وواشنطن في التسريع من وتيرة الاختلافات الإيرانية - الروسية.
 
عليه، يمكن القول إن تضارب المصالح بين الجانبين الروسي والإيراني في سوريا عكس طبيعة التوجهات الظرفية لكل منهما في المحيطين الإقليمي والعالمي. فبينما تأخذ العوامل الجيو-سياسية مكانا رئيسيا في التحركات الروسية، تحتل العوامل الجيو-اقتصادية مكانها الأبرز لدي تراتبية الأولويات الإيرانية. وما التدخل الحربي الروسي (سبتمبر 2015)، ثم إعلان نية الانسحاب (14 مارس 2016)، وإعلان إيران رفضها الرؤية الروسية لمستقبل بشار الأسد، واقترابها من أنقرة وواشنطن، إلا مؤشرات انكشاف تدريجي، وتفكيك لمسارات العلاقة المعقدة والمتداخلة بين إيران وروسيا في سوريا.
 
الهوامش :
 
(1) مارين خليفة، حلف إيراني - روسي بمباركة أمريكية لتجاوز المأزق السوري، صحيفة "السفير" اللبنانية، 30 سبتمبر 2015، الصفحة الثانية.
 
(2) قالت تقارير صحفية إن القيادي العسكري الإيراني البارز، الجنرال قاسم سليماني، زار موسكو مرتين خلال شهر، وتحديدا في نهاية يوليو 2015. غير أن موسكو نفت الزيارة في منتصف أغسطس، وقالت إنه لم يزرها "الأسبوع الماضي"، مما فهم منه أنه زارها في وقت سابق. وأثارت الزيارة جدلا بين الإدارتين في موسكو وواشنطن، على خلفية إدراج اسم سليماني على قوائم الأشخاص المحظور سفرهم إلي خارج إيران بسبب العقوبات الدولية التي كانت مفروضة من المجتمع الدولي على إيران بسبب برنامجها النووي.
 
(3) في زيارته إلي موسكو يوم 16 فبراير 2016، قال وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان، في حديث تليفزيوني أذاعته قناة "روسيا - 24"، إن: "روسيا شريكنا، ونحن نتعاون على هذا الأساس، وهذا التعاون سيتواصل وسيمضي قدما إلي الأمام. وبالنسبة لنا، في هذا التعاون، تعطي الأولوية لضمان الأمور التي تمنحنا إمكانية التفوق، وكذلك إمكانية خلق حالة من الردع في وجه المخاطر والتهديدات الموجودة في المنطقة، وفي خارج حدودها". المصدر: روسيا اليوم، دهقان: تواجد روسيا في سوريا غير ميزان القوى في المنطقة، 16 فبراير .2016
 
(4) يشار إلي تلك الكتائب باسم "قوات الدفاع الشعبي"، وهي تسمية تشبه كثيرا تلك التي اختارتها إيران للكتائب المناظرة في العراق، لكن وسائل الإعلام الإيرانية تشير إليها تحت مسمي "كتائب أبو الفضل العباس". وأبو الفضل العباس هو العباس بن على بن أبي طالب، أخو الإمام الحسين، وأحد المقاتلين الذين رافقوه في واقعة كربلاء الشهيرة، لذلك يعده الشيعة رمزا للتضحية، والشجاعة، والفداء.
 
(5) نقلت وكالات "أسوشيتيد برس" الأمريكية، و"رويترز" البريطانية، و"أ ف ب" الفرنسية للأنباء، يوم 12 مارس 2016، أن ثمة خلافات روسية - إيرانية حول صفقة صواريخ إس -.300 ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن رئيس مجموعة روستيك الصناعية الروسية، سيرجي تشيميزوف، قوله: "من المقرر تسليم الصواريخ بحلول نهاية السنة، على أن تسلم الشحنة الأولي منها إلي إيران في أغسطس أو سبتمبر المقبلين. وقد رفضت طهران عرضا روسيا بتزويدها صواريخ من طراز إنتي-2500، بدلا من صواريخ طراز إس-.300
 
(6) قال قائد الحرس الثوري الإيراني، محمد على جعفري، لوكالة تسنيم الإيرانية شبه الرسمية في 2 نوفمبر 2015: "إن التدخل العسكري الروسي في سوريا يهدف إلي خدمة أغراض موسكو، وقد لا تهتم موسكو ببقاء الأسد، كما نهتم نحن، نحن لا نعرف أي شخص أفضل يحل محله".
 
(7) مفهوم "سوريا المفيدة" يعود إلي عهد الانتداب الفرنسي عام 1916، أي قبل مئة عام، وكان أحد إفرازات اتفاقية سايكس - بيكو. فيما تعرف منطقة سوريا المفيدة حاليا بأنها تلك المناطق التي اضطرت قوات بشار إلي الانسحاب إليها بسبب "نقص الطاقات البشرية"، وهي مجموعة المناطق التي تمتد من دمشق إلي القلمون، وحمص، ودرعا، وحماة، وصولا إلي طرطوس، واللاذقية، وحتى الحدود التركية، ولا تزيد مساحة هذه المناطق على 25 من مجمل مساحة سوريا.
 
(8) رجل دين إيراني يصف سوريا بالمحافظة الإيرانية الـ 35، العربية نت، 15 فبراير .2013
 
(9) في إشارة إلي الحرب الروسية - الأفغانية، التي استمرت قرابة عشر سنوات، وبدأت يوم 25 ديسمبر 1979، وانتهت في 15 فبراير .1989
 
(10) بين شهري نوفمبر وديسمبر من عام 1994، شنت روسيا عملية حربية عنيفة ضد الحكومة الشيشانية في العاصمة "جروزني"، وكانت تستهدف إسقاط حكومة الرئيس الشيشاني جوهر دوداييف.
 
(11) في عام 2005، أعفت روسيا سوريا من 10 مليارات دولار من أصل دين مقداره 13 مليار دولار لتطوير الجيش السوري بتجهيزات روسية. كما ازدادت ميزانية سوريا لشراء الأسلحة بأربعة أضعاف خلال السنوات الأربع التالية، وقد أنفق نصفها تقريبا على المعدات الروسية. وتواصل دعم روسيا للجيش السوري في الصراع الحالي. ففي يناير 2012 وحده، تلقي النظام 60 طن ذخيرة من موسكو. انظر:
 
Aghayev, Elvin, Katman, Filiz: Historical Background and the Present State of the Russian-Syrian Relations, European Researcher, 2012.
 
(12) البازار في اللغة الفارسية يعني "السوق". لكن في الثقافة الإيرانية، يشار به إلي سوق ضخمة تحتل مساحة جغرافية واسعة جنوبي طهران، وهو مكان لتمركز رجال المال والأعمال. ولعب التجار الإيرانيون أدوارا مهمة في الحراك الشعبي لإيران إبان الثورة الإسلامية عام .1979
 
(13) انظر: الأسد: روسيا "طرف" في تحالف يضم سوريا، والعراق، وإيران لهزيمة الإرهاب، حوار تليفزيوني، قناة خبر الإيرانية، 4 أكتوبر .2015
طباعة

    تعريف الكاتب

    محمد محسن أبو  النور

    محمد محسن أبو النور

    باحث متخصص في الشأن الإيراني‮.‬