بعد نحو عامين ونصف عام من الفراغ الرئاسي، والجمود البرلماني، وتعطل عمل أغلب المؤسسات الرسمية اللبنانية، استؤنفت الحياة السياسية، عقب انتخاب الرئيس ميشال عون، القائد الأسبق للجيش (1984-1989)، رئيسا للجمهورية، بعد توافق نادر بين فريقي 14 و8 آذار. لكن الوضع الداخلي في لبنان لم يكن أبدا داخليا فقط، فالداخل دائما شديد الارتباط بالمحيطين الإقليمي والدولي.
والتصعيد بين الفريقين المهيمنين علي الحياة السياسية اللبنانية يتصل عادة بتصعيد مماثل علي الصعيد الإقليمي، والعكس صحيح. فلبنان كان ولا يزال ساحة للصراع الإيراني - السعودي علي النفوذ الإقليمي. بل إن الاصطفاف السياسي اللبناني يتمحور بالأساس حول العلاقة مع الخارج، سواء المتعاطفون مع النفوذ الإيراني - السوري في لبنان، وأبرزهم فريق "8 آذار"، أو المعارضون لهذا النفوذ السلطوي، ويتصدرهم تيار"14 آذار"، وهو ما يتطابق أيضا مع الانقسام الإقليمي بين المؤيدين للنفوذ الإيراني بالمنطقة، وأنصار النفوذ السعودي، الأمر الذي يرهن تفاصيل الحياة السياسية اللبنانية للشد والجذب الإقليميين، وصولا للتورط في الحرب السورية من جانب الفرقاء اللبنانيين. ولم يخرج الملف الرئاسي عن هذه القاعدة الدقيقة لتسيير الحياة السياسية اللبنانية، بل كان دوما محورها.
فعادة ما يخضع ملف انتخاب الرئيس اللبناني للتدخل الخارجي، سواء كان دوليا أو إقليميا، وأحيانا لكليهما. قبل اتفاق الطائف عام 1989، كانت الانتخابات الرئاسية محط اهتمام بالغ، لأن جميع السلطات كانت تجتمع بيد الرئيس الماروني. ولكن بعد اتفاق "الطائف"، سحب بعض السلطات من المنصب الماروني الأول بالبلاد لتتوزع في مجلس الوزراء مجتمعا كسلطة تمثل فيها كل الطوائف. وهكذا، تحول النظام اللبناني من شبه رئاسي إلي برلماني، يحكمه بالأساس رئيس الوزراء السني بحكومة متعددة الطوائف. ولكن اتفاق "الطائف"، الذي أنهي الحرب اللبنانية، وأسس لنظام سياسي يحد من الهيمنة المارونية علي السياسة اللبنانية، أسس أيضا لهيمنة سورية علي المقدرات اللبنانية، تمثلت في وجود عسكري علي الأرض بدأ عام 1976، ولم ينته إلا بمظاهرات حاشدة، وإرادة دولية في عام .2005 ولكن الحضور السياسي استمر من خلال حلفاء سوريا في لبنان، أي فريق 8 آذار الذي يضم حزب الله، وحركة أمل، والتيار الوطني الحر (تيار الرئيس عون).
ومع قرب انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، احتدم الجدل حول هوية الرئيس الجديد. وبينما كان فريق 8 آذار يدفع بميشال عون مرشحا وحيدا، كان فريق 14 آذار يطرح سمير جعجع، زعيم القوات اللبنانية، مرشحا أول ضمن آخرين. غير أن فرص المرشحين المنتمين إلي فريقي 14 و8 آذار كانت ضعيفة للغاية آنذاك، نظرا لقوة الاستقطاب السياسي اللبناني علي وقع التصعيد الإقليمي المحتدم، علي خلفية الحرب السورية. (للمزيد طالع المجلة)