مقالات رأى

اليمن بين ميادين الحرب ومائدة التفاوض

طباعة
‫‎‎‬لا يقول المبعوث الأممي إلى اليمن جديداً في إحاطاته المتوالية مجلس الأمن حول المشكلة اليمنية والتفاوض بشأنها، فهو يلقي أحاديث تعميمية عن تفاهمات ورغبة لدى الأطراف في العملية السلمية أو عن تشبث بالمواقف القديمة وعدم الاستعداد للتنازلات. لكي لا يعترف بأن جهوده ذهبت سدى يبشر كل مرة بإنجاز محتمل ضئيل القيمة، كما في الاتفاق على تبادل نصف الأسرى والمعتقلين قبل رمضان الذي أوشك على الانصراف ولم يزل الوعد قبض الريح. الشيء الوحيد الذي قطع به أنه تأكد من أن ثلاثة من القادة العسكريين الأسرى ما زالوا على قيد الحياة، ومع أنه اعتمد على تأكيدات من جماعة الحوثي من دون استيثاق وتحقق فإن الأمر يتعدى إنفاق الجهود والإمكانات في التفاوض من أجل الاطمئنان على حياة شقيق الرئيس ووزير دفاعه. والمعنى أن الحوثيين ينحرفون بالمفاوضات إلى قضايا عديمة الأهمية بالمستوى الذي تتولاه لجان فنية يشرف عليها الصليب الأحمر، وهم في بعض الأحيان يسخرون من الجاري في الكويت بتبادل للأسرى مباشرة مع أحد قادة المقاومة أو يفرجون عن محكومين بجرائم جنائية ويكذبون على العالم أنهم اطلقوا مقاتلين في صفوف القوات الموالية للرئيس هادي.
 
ليس في هذا تشكيك بصدق إسماعيل ولد الشيخ وسلامة نيته، إنما هي إشارة إلى أن الرجل أسير خبرته في مضمار توظيف المساعدات المالية والفنية التي تقدمها الأمم المتحدة للبلدان النامية فضلاً عن أنه مقيد بإرادة أطراف الصراع ومدى استعدادهم للتسوية. مع ذلك فهو يأمل بنجاح يعزز موقعه في الوظيفة الدولية ويضفي عليه لمسة في التاريخ. ذلك يدفعه إلى التريث والصبر، وإلى إطلاق وعود غير مضمونة برجاء أن تطرأ تغيرات في ميادين القتال تخرج العملية السياسية من الجمود. وبهذا المعنى فقد يتمنى أن تميل موازين القوى إلى أحد طرفي النزاع فتمده بأسباب الضغط يكره معها الحوثيون على الجنوح للسلم أو تتخلى الحكومة عن مرجعيات التفاوض، ولا أظنها تستطيع أمام إصرار الشعب على إزاحة كابوس جماعة شنت ضده حرباً شرسة.. ومنذ شاركوا في مؤتمر الحوار الوطني اكتفى الحوثيون من الاتفاقات المعلنة بتوقيعاتهم دون وفائهم. أقرب الأدلة الاتفاق المبرم في 10 إبريل الماضي على وقف النار حيث واصلوا الحرب على جميع جبهات ومحاور القتال وربحوا من التزام الجانب الحكومي بالإغارة على معسكر العمالقة في عمران واحتلال مواقعه ونهب عتاده وشددوا الخناق على تعز وكثفوا الهجمات على إحيائها وفي محيطها حتى تمكنوا من اختراق جبهات في الجنوب قادتهم إلى مواقع استراتيجية بالقرب من معسكر لبوزه وعلى مشارف العند أكبر القواعد الجوية. صاحب هذا محاولات للتقدم على جبهة البيضاء - أبين وعلى الطريق الساحلي لإحكام الطوق على عدن وإجبار الحكومة على الانسحاب كي تعود مرة ثانية حكومة منفى. 
 
إن هذا أكبر المنى، وأقله أن يستولوا على قاعدة العند أو يحيدوها، وأما البعيد المستحيل فهو التفكير بالسيطرة على كامل مساحة اليمن، ذلك أنهم لا يمتلكون القوة القادرة ولا الظهير المساند، والمثال الصارخ أنهم بعد اكثر من 16 شهراً من الحصار الخانق لتعز عجزوا عن أن يضعوا المدينة في قبضتهم. وعلى المستوى العام فإن وجودهم محصور في السلسلة الجبلية بالهضبة الشمالية لم يستطيعوا بعدها فتح ثغرة إلى مأرب أو التمدد في الجوف قابعين في صعدة وعمران وصنعاء وأجزاء من ذمار والمحويت وحجة في وجود مقاومة مسلحة ومناهضة مدنية.
 
يتبدى هذا من أن الحوثيين يضعون المفاوضات بين خيار الاستغراق بسفاسف الأشياء أو بلوغ المنتهى بتشكيل حكومة وفاق تمنحهم الشرعية ولا تسلبهم السلاح. 
 
إن القسم الأعظم من الأمر معلق بتحديد موقع الإخوان المسلمين في هيكل السلطة الشرعية، فقد أدى نفوذهم الطاغي في حكومة باسندوه التي أعقبت خروج صالح من الحكم إلى تمهيد السبيل أمام الحوثيين لدخول صنعاء، وتسبب استحواذ هم على مراكز مهمة في الجيش والمقاومة إلى إعاقة العمل العسكري من نواح عدة. أولها أن الشعب لا يريد أن يستبدل جماعة تتنزل من السماء بأخرى تدعي امتلاك مفاتيح الجنة، والثانية أن حب الإخوان للمال جعلهم يبيعون سلاح التحالف لينتهي مطافه في أيدي الحوثيين. 
وإذن فإن مستقبل اليمن مغلق على إرادة قوية وقرارات شجاعة تبني قوة قادرة على إلحاق هزيمة سريعة بالمتمردين الحوثيين توفيراً للوقت واقتصاداً في الدم. ومن غير ذلك فإن الأجل بعيد لانتصار محتم ولكن بتضحيات باهظة وعذاب مرير.
 
-----------------------
* نقلا عن دار الخليج، 27-6-2016.
طباعة

تعريف الكاتب

حسن العديني