مقالات رأى

الصراع ‬الطائفي ‬ومكافحة الإرهاب

طباعة
يجد‎ ‬المنحى ‬الطائفي ‬للصراع ‬الدائر ‬في ‬المنطقة ‬العربية، ‬أحد ‬أوضح ‬تجلياته في ‬الاضطرابات ‬التي ‬يعيشها ‬العراق. ‬فالعراق ‬الذي ‬كان يفترض ‬فيه أن ‬يخطو ‬خطوات ‬إيجابية ‬نحو ‬بناء ‬الدولة ‬الوطنية، تواجهه ‬اليوم صعوبات جسيمة ‬نتيجة الانفلات ‬الكبير ‬الذي عاشته البلاد ‬بعد ‬تخلصها ‬من ‬استبداد عهد ‬صدام ‬حسين‬، ‬وهو ‬اضطراب ‬مشابه أيضاً ‬لما ‬تعيشه ‬ليبيا ‬بعد ‬سقوط ‬حكم ‬القذافي، وهما نموذجان يثيران ‬معضلة فكرية هي قضية ‬الديمقراطية ‬في ‬بعض مجتمعاتنا ‬العربية. ‬ونحن ‬لا ‬نتفق ‬مع ‬القول ‬السائد ‬بأن ‬الديمقراطية ‬لا ‬يمكن ‬تطبيقها ‬في ‬البيئة ‬العربية، ‬وإنما سنثير ‬بعضاً ‬من ‬التحفظات ‬حول ‬الطبيعة ‬الثقافية ‬السائدة ‬التي ‬تشكل ‬مصدر ‬قلق ‬في ‬رسم ‬سياسة بعض ‬الدول ‬الوطنية‬.
 
والراهن أن السقوط‎ ‬الكبير ‬للنظم ‬الاستبدادية ‬فيما ‬سمي ‬بـ«الربيع ‬العربي» ‬ما ‬زال ‬هو أيضاً في ‬مرحلة ‬تكوينية ‬من ‬حيث ‬فهم ‬أبعاده ‬وأسبابه، ‬إلا أنه ‬ليس ‬بالضرورة سقوطاً ‬ل‬أنظمة ‬سياسية ‬بعينها ‬بقدر ما ‬يمثل ‬سقوطاً ‬وإخفاقاً ‬لسياسة ‬ثقافية ‬أطَّرت ‬العمل ‬والنشاط ‬السياسي ‬العربي، في كثير من الأحيان. ‬فالأحزاب ‬السياسية ‬العربية ‬مثل ‬الحكومات ‬لم ‬تبذل ‬جهوداً تُذكر في ‬تطوير ‬نمط ‬تفكير ‬المواطن، ‬ولم ‬تسعَ إلى ‬تطوير ‬الذهنية ‬السياسية، ‬ومن ‬ثم فإن ‬الفشل ‬الحالي ‬هو ‬نتيجة ‬لبيئة ‬ثقافية ‬منافرة ‬للثقافة ‬الديمقراطية، ‬وهو يمثل ‬حالة ‬عجز ‬في بعض البلدان العربية عن إحداث ‬أية ‬تحولات ‬مستقبلية ‬نحو ‬بناء ‬الدول ‬الوطنية. ‬ولعل ‬التطور ‬السريع ‬لخطر ما ‬يسمى ‬بـ«الدولة ‬الإسلامية» ‬التي أعلن عنها تنظيم «‬داعش» الإرهابي، يمثل أكبر ‬تحديات ‬المرحلة، ‬والإخفاق ‬في ‬مواجهة ‬«داعش» ‬يدخلنا ‬في ‬حالة ‬من الفوضى ‬المدمرة ‬للنسيج ‬الاجتماعي، ‬الذي ‬تعارفت ‬المنطقة ‬عليه، و‬في كنفه يتم ‬التعايش ‬بين ‬مختلف ‬المذاهب‬.
 
إن الوضع‎ ‬العراقي ‬يكتسي ‬خطورة ‬كبيرة ‬ليس ‬على ‬العراق فقط، ‬وإنما ‬على ‬الإقليم ‬الخليجي ‬كله، ‬خصوصاً أن ‬الفرز ‬بات ‬واضحاً ‬بعد ‬التدخل ‬الإيراني ‬لصالح ‬رئيس ‬الوزراء السابق ‬المالكي ‬في ‬مواجهته ‬مع ‬محاربي «‬داعش». ‬وإيران ‬كانت ترمي ‬بكل ‬ثقلها ‬لمساندة ‬حكم ‬المالكي أيضاً ضد خصومه في العراق، ‬كما ‬فعلت ‬في ‬سوريا، ‬ومن ‬ثم ‬فالتداعيات ‬كبيرة ‬وخطيرة ‬إنْ ظل الاستقطاب مستمراً، والفرز المذهبي متصاعداً، خصوصاً أن ‬الدول ‬الخليجية ‬ما زالت ‬لا ‬تملك ‬سياسة ‬موحدة ‬حيال ‬الصراع ‬الطائفي ‬الذي ‬يخيم ‬على ‬المنطقة. و‬لا ‬نعتقد أن ‬المطلوب ‬هو مساندة ‬السُّنة ‬ضد ‬الشيعة، ‬ولا ‬الشيعة ‬ضد ‬السُّنة، ‬بقدر ‬ما ‬ينبغي ‬أن ‬نحاول ‬إيصال ‬رسالة ‬إلى جميع ‬الأطراف ‬بأن ‬الدخول ‬في مواجهات ‬طائفية ‬يشكل ‬خسارة ‬كبيرة ‬لجميع ‬الفرقاء، ‬وأن ‬احتواء ‬النزاع ‬والتوجه ‬نحو ‬عملية ‬التعايش والتسامح والمصالحة ‬يعتبر ‬ضرورة ‬تخلص الجميع ‬من ‬الوقوع ‬في ‬الهاوية ‬الطائفية التي ‬تفوح ‬روائحها ‬في ‬هذه ‬المرحلة‬. ‬واستقرار ‬العراق ‬هو ‬من ‬استقرار ‬الإقليم ‬الخليجي‬، ‬وحتى ‬إيران ‬معنية ‬هي أيضاً بهذا ‬الاستقرار ‬لكون ‬الصراع ‬الطائفي إنْ تفاقم أكثر قد ‬يدخل ‬جميع ‬الدول ‬في أجواء ‬الفوضى ‬المدمرة، ‬ولا ‬يحقق ‬أهداف ‬الاستقرار ‬الذي ‬تتحدث ‬عنه إيران‬.
 
وفي‎ ‬الجانب ‬الآخر‬، ‬علينا ‬إدراك ‬أن خطر «داعش» ‬واستقطابه ‬لمقاتلين ‬يستوجب ‬التعمق في فهم ‬أسباب ‬زيادة ‬أعداد ‬الشباب ‬المغرّر به الذي ‬ينضم ‬إلى مثل ‬هذه ‬التنظيمات ‬الإرهابية العنيفة، ‬وألا ‬نكتفي ‬بسن ‬القوانين ‬العقابية فقط، ‬بقدر ‬ما ‬نحتاج إلى ‬البحث ‬عن ‬أسباب ‬الاستقطاب ‬و«الجاذبية» ‬لمثل ‬هذه ‬التنظيمات ‬الراديكالية! ‬وبعض ‬المؤشرات قد ‬يؤكد ‬خطورة ‬عملية «‬التسويق» ‬للانضمام ‬إلى التنظيمات ‬الراديكالية ‬«الجهادية» ربما ‬لكونها ‬تستخدم ‬وسائل ‬نفسية ‬مؤثرة ‬في ‬عملية ‬غسل ‬الأدمغة، ‬بينما بعض الحكومات ‬ما زالت ‬تعتمد ‬سياسات ‬فاشلة ‬غير ‬قادرة ‬على ‬استغلال ‬الثغرات ‬الكبيرة ‬لهذه ‬التنظيمات، ‬خصوصاً أنها ‬تتخبط في رصيد ‬كبير ‬من ‬المخالفات والانحرافات ‬التي ‬تتعارض ‬مع ‬روح ‬الدين ‬الإسلامي، ‬و‬من ‬الممكن ‬استثمار ذلك ‬بطريقة ‬عقلانية لتبصير الناس بمدى انحراف تنظيمات التطرف والإرهاب، وهذا يساعد ‬في ‬عزل «‬داعش» ‬وغيره ‬من ال‬تنظيمات الإرهابية المنحرفة.
 
-------------------------
* نقلا عن الاتحاد الإماراتية، الثلاثاء، 19/8/2014
طباعة

تعريف الكاتب

د. علي الطرح

د. علي الطرح

حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة متشجن الأميركية في عام 1984، عميد كلية العلوم الاجتماعية، وأستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت .